أدوية فيروس “سي” تشعل النزاع حول براءات الاختراع
دعاوى قضائية في الهند والأرجنتين تسعى لخَفْض سعر الدواء.
إيمي ماكسمِن
Nature (2017) doi:10.1038/543017a | Published online 29 Mar 2017 | English article
صار مرض الالتهاب الكبدي الفيروسي “سي” ساحة النزال الجديدة للدعاوى القضائية، الهادفة إلى خفض أسعار أدويته المنقِذة للحياة. ففي شهر فبراير وحده، رُفعت خمس دعاوى قضائية في الهند والأرجنتين، تدَّعي أن الصنف الصادر مؤخرًا من الأدوية المضادة للفيروسات لا يستحق الحصول على براءة الاختراع التي تمنح فترة احتكار مدتها 20 عامًا، والتي يسعى المُصَنِّعون في هاتين الدولتين للحصول عليها.
في العقد الأول من القرن الحالي، أتاحت الطعون المقبولة المقدَّمة ضد براءات اختراع أدوية لعلاج مرض نقص المناعة البشرية في الدول الفقيرة، الوصول إلى بدائل “جنيسة”، غير محدودة الملكية، من الأدوية، بجودة عالية، وبأسعار زهيدة. والآن يطبق النشطاء – مدفوعين بهذا النجاح – الاستراتيجية ذاتها على موجة جديدة من أدوية فيروس “سي”، ويقولون إن دورة العلاج العادية التي تبلغ مدتها 12 أسبوعًا تفوق تكلفتها متوسط الراتب السنوي لملايين الناس في الدول متوسطة الدخل.
يقول خبراء الصحة العامة إن توسيع نطاق الوصول إلى الأدوية ستكون له فوائد مباشرة. يعاني حوالي 177.5 مليون شخص بالغ في جميع أنحاء العالم من التهاب الكبد الوبائي “سي”، الذي قد يسبِّب سرطان الكبد وتَلَيُّفه، إذا لم يُعالَج، ولكن الأدوية الأخيرة المضادة للفيروس أحدثَتْ ثورة في مجال رعاية هؤلاء المرضى. كان الدواء “سوفوسبوفير” sofosbuvir أول الأدوية وصولًا إلى السوق، وبِيعَ تحت اسم “سوفالدي” sovaldi، وتنتجه شركة “جلياد ساينسِز” في فوستر سيتي بولاية كاليفورنيا. وقد أظهرت التجارب الإكلينيكية أن استخدام الدواء مع أدوية أخرى حقق نجاحًا في العلاج بنسبة 95%، أو أكثر. يقول بروك بيكر، اختصاصي القانون بجامعة نورث إيسترن في بوسطن بولاية ماساتشوستس: “لو أُتيحت هذه الأدوية على نطاق واسع؛ لاستطعنا وضع خطة للقضاء على هذا المرض”.
تمثِّل الهند مركز النزاع القائم حول براءات الاختراع، باعتبارها المورِّد الرئيس للأدوية الجنيسة في العالم. وقد سُرَّ المدافعون عن المرضى عندما رفض مكتب براءات الاختراع في البلاد – في يناير عام 2015 – الطلب الذي قدمته شركة “جلياد” للحصول على براءة اختراع أساسية للعقار “سوفوسبوفير”، لكونه غير مُبتَكَر علميًّا بالقدر الكافي؛ ليستحق حقوق ملكية فكرية حصرية، بالرغم من مميزاته الطبية الواضحة، إلا أن محكمة هندية أبطلت هذا القرار في مايو الماضي، وتجري حاليًّا محاولة للطعن على هذا الحكم.
استهدفت أربع دعاوى قضائية – من الخمس التي حُررت في شهر فبراير – براءات اختراع هندية لـ”سوفوسبوفير”، وعقارين آخرين متعلقين به؛ هما عقار “فيلباتاسفير” velpatasvir، الذي تنتجه شركة “جلياد”، ويباع في مزيج مع “سوفوسبوفير”، تحت الاسم التجاري “إبكلوزا” Epclusa، وعقار “داكلينزا” (Daklinza (daclatasvir ، الذي تنتجه شركة “بريستول مايرز سكويب” في مدينة نيويورك. أمّا الدعوى الخامسة، فإنها تطعن على الطلب المقدَّم من “جلياد”، للحصول على براءة اختراع للدواء “سوفوسبوفير” في الأرجنتين.
يقول طاهر أمين، رئيس مبادرة الأدوية وتوفيرها والمعرفة بشأنها (I-MAK) في مدينة نيويورك: “إن العِلْم الذي يقف وراء “سوفوسبوفير” لا يستحق براءات الاختراع هذه”. لقد شاركت مجموعة النشطاء هذه في نحو عشر دعاوى قضائية مرتبطة ببراءات اختراع لأدوية تعالِج التهاب الكبد الفيروسي “سي”، بما فيها دعاوى مرفوعة في الهند، والأرجنتين، وأخرى في البرازيل، والاتحاد الأوروبي، ومصر، وأوكرانيا.
يحتجّ بعض هذه الدعاوى بأن “سوفوسبوفير”، و”فيلباتاسفير”، و”داكلاتاسفير” ليست أدوية مبتكرة بالدرجة التي تستحق بها الحصول على براءات اختراع، في حين يتحدى آخرون محاولات “جلياد” للحصول على براءات اختراع إضافية لـ”سوفوسبوفير” بإجراء تعديلات طفيفة عليه، حتى تتمكن من مَدّ فترة حقوق الملكية الفكرية للشركة، وهي ممارسة تُعرف باسم “الاخضرار الدائم” evergreening. تقول لينا مينجاني، التي تدير حملة لإتاحة الوصول إلى الدواء في جنوبي آسيا لدى مؤسسة “أطباء بلا حدود” الخيرية، التي تدعم هذه الدعاوى القضائية: “تهدف هذه المعركة إلى ضمان حصول “جلياد” على أقصر مدة ممكنة للاحتكار”.
تقول “جلياد” إنها اتخذت خطوات لخفض تكلفة الأدوية المضادة للفيروسات التي تنتجها لعلاج التهاب الكبد الوبائي “سي”، بتوفيرها تسعير متعدد المستويات للدواء “سوفوسبوفير”، وغيره من الأدوية، بناء على عدة عوامل، مثل الحالة الاقتصادية للدولة، وكمية الأدوية التي تحتاجها؛ فقائمة الأسعار لدورة علاج مدتها 12 أسبوعًا للدواء “سوفوسبوفير” هي: 84 ألف دولار أمريكي في الولايات المتحدة، و50 ألف دولار أمريكي في كل من تركيا، وكندا، وحوالي 6 آلاف دولار أمريكي في البرازيل، و900 دولار فقط في مصر.
وأعطت “جلياد” أيضًا ترخيصًا لأحد عشر مُصَنِّعًا في الهند؛ لإنتاج نسخ جنيسة، أقل سعرًا من أدوية التهاب الكبد الوبائي “سي”؛ لبيعها في 101 دولة نامية. تُباع الأدوية الجنيسة بسعر يتراوح بين 300 و900 دولار أمريكي للدورة العلاجية الواحدة في الدول المصرح فيها باستخدام هذه الأدوية، وفي المقابل.. تحصل “جلياد” على 7% من أرباح الأدوية، لامتلاكها حقوق الملكية الفكرية، ولكي تُبْقِي الوصول إلى برنامج الأدوية الخاص بها مستمرًّا.
يقول كليفورد صامويل – النائب الأول لرئيس شركة “جلياد”، المختص بعمليات الوصول والأسواق الناشئة – إن هذا النظام يستند إلى الدروس التي تعلمتها “جلياد” أثناء الدعاوى القضائية والاحتجاجات التي أثيرت ضدها، لإتاحة الوصول إلى الأدوية المعالِجة لمرض فيروس نقص المناعة البشرية في بدايات العقد الأول من القرن الحالي. ويضيف: “لقد تعرضنا لانتقادات هائلة في الأيام الأولى من تشغيل برنامجنا لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية. وقد لَقَّنَنا ذلك درسًا”.
وهذا كله لا يبدو مُرْضِيًا لأمين، الذي يقول إن مصنعي الأدوية الجنيسة، الذين تتعامل معهم “جلياد”، لا يخفضون تكلفة أدويتها المعالِجة لالتهاب الكبد الوبائي “سي” في الدول متوسطة الدخل. فقد وجد تحليل نُشِر خلال العام الماضي أن “سوفوسبوفير” وأدوية متصلة به تُباع بأسعار باهظة جدًّا لهذه الدول (S. Iyengar et al. PLoS Med. 13, e1002032; 2016). ففي حال استخدام هذه الأدوية لعلاج كل المرضى المصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائي “سي” في بولندا، ستساوي التكلفة 1.6 مرة لإنفاق الدولة السنوي على الأدوية الخاصة بجميع الأمراض. ويعادل سعر دورة العلاج الواحدة راتب المواطن البولندي متوسط الدخل لمدة ستة أعوام.
وتعتزم “جلياد” حماية براءات اختراعاتها في الدول مرتفعة ومتوسطة الدخل، مع العمل على تحسين الوصول إلى الدواء، عن طريق خفض الأسعار، وتوفير تسعيرة متعددة المستويات. يقول صامويل: “نحتاج إلى الحصول على عائد، لاستثماره مرة أخرى في تطوير أدوية لأمراض أخرى”.
استعادت الشركة بالفعل ما استثمرته في سوفوسبوفير؛ فقد استحوذت على الدواء في عام 2011، عندما اشترت شركة “فارماسيت” للتكنولوجيا الحيوية في برينستون بولاية نيوجيرسي، مقابل 11.2 مليار دولار أمريكي. ومنذ نزول “سوفوسبوفير” إلى الأسواق في عام 2014، ربحت “جلياد” من ورائه – إلى جانب عقارين شبيهين آخرين – مبلغ 46 مليار دولار أمريكي.
تتوقع مينجاني انعقاد أولى جلسات الاستماع للموجة الجديدة من الدعاوى القضائية الخاصة ببراءات الاختراع خلال فترة تتراوح بين ستة أشهر، وعام، ولكنها تتطلع بالفعل إلى أهداف أبعد من ذلك، وتقول: “آمل أن تؤدي هذه المعارك الدائرة في الدول النامية إلى تحدي الناس لبراءات الاختراع الضعيفة، التي يُعاد تجديدها في الولايات المتحدة”.
Nature